کد مطلب:167535 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:283

خروج الحسین من مکة
وخرج الحسین من مكة نحو العراق یوم الثامن من ذی الحجة، ومنعه جماعة من التوجه نحو العراق وأحدهم عبدالله بن العباس (حَبْر الأمّة) فقال له الحسین: یابن عباس: إن رسول الله أمرنی بأمرٍ أنا ماضٍ فیه.

فقال: بماذا أمرك جدّك؟

فقال الحسین: أتانی جدّی فی المنام وقال: یا حسین أخرج إلی العراق فإن الله شاء أن یراك قتیلا.

فقال ابن عباس: إذن فما معنی حملُك هؤلاء النساء معك؟

فقال الحسین: هنّ ودائع رسول الله ولا آمنُ علیهنّ أحدا، وهنّ أیضاً لا یُفارقننی.

وخرج الحسین قاصداً الكوفة، وفی أثناء الطریق التقی به سریّة من الجیش تتكوّن من ألف فارس بقیادة الحرّ بن یزید الریاحی، وأرادوا إلقاء القبض علی الحسین وإدخاله الكوفة علی ابن زیاد، إلا أن الحسین امتنع من الانقیاد لهم، فتمّ القرار علی أن یسلك الحسین طریقاً لا یدخله الكوفة ولا یردّه إلی المدینة، فوصل إلی ارض كربلاء فنزل فیها.

وقام ابن زیاد خطیباً فی الكوفة وقال: من یأتینی براس الحسین فله الجائزة العظمی، وأعطه ولایة ملك الرّی عشر سنوات. فقام عمر بن سعد بن أبی وقاص وقال: أنا.

فعقد له رایةً فی أربعة آلاف رجل، واصبح الصباح، وأولُ رایة سارتْ نحو كربلاء رایة عمر بن سعد، ولم تزل الرایات تتری حتی تكاملوا فی الیوم التاسع من المحرم ثلاثین ألفاً أو خمسین ألفاً أو أكثر من ذلك.

وحالوا بین الحسین وأهل بیته وبین ماء الفرات من الیوم السابع من المحرم، ولما كان الیوم التاسع اشتدّ بهم العطش، واشتدّ الأمر بالمراضع والأطفال الرضّع.

قالت سكینة بنت الحسین: عزّ ماؤنا لیلة التاسع من المحرّم فجفّت الأوانی ویبست الشفاه حتی صرنا نتوقّع الجرعة من الماء فلم نجدها، فقلت فی نفسی أمضی إلی عمّتی زینب لعلّها ادّخرت لنا شیئاً من الماء، فمضیتُ إلی خیمتها فرأیتها جالسة وفی حجرها أخی عبدالله الرضیع وهو یلوك بلسانه من شدّة العطش وهی تارة تقوم وتارة تقعد، فخفقتنی العبرة فلزمتُ السكوت، فقالت عمتی: ما یُبكیك؟ قالت: حال أخی الرضیع أبكانی، ثم قلت: عمتاه قومی لنمضی إلی خیم عمومتی لعلّهم ادّخروا شیئاً من الماء، فمضینا واخترقنا الخیم بأجمعها فلم نجد عندهم شیئاً من الماء، فرجعت عمّتی إلی خیمتها فتبعتها وتبعنا من نحو عشرین صبیاً وصبیّة، وهم یطلبون منها الماء وینادون: العطش.. العطش.

وآخر رایة وصلت إلی كربلاء رایة شمر بن ذی الجوشن فی ستة آلاف مساء یوم التاسع، ومعه كتاب من ابن زیاد إلی ابن سعد، فیه: فإن نزل الحسین وأصحابه علی حكمی واستسلموا فابعث بهم إلیّ سلما، وإن أبوا فازحف إلیهم حتی تقتلهم، فإن قتلت حسیناً فأوطئ الخیل صدره وظهره... إلی آخره.

فزحف الجیش نحو خیام الحسین عند المساء بعد العصر، واقترب نحو خیم الحسین، والحسین جالس أمام خیمته، إذ خفق برأسه علی ركبتیه، وسمعت أخته زینب الكبری بنت أمیر المؤمنین الصیحة فدنت من أخیها وقالت: یا أخی أما تسمع هذه الأصوات قد اقتربت؟

فرفع الحسین رأسه وقال: أخیّة: أتی رسول الله الساعة فی المنام فقال لی: إنك تروح إلینا.

فلطمتْ أخته وجهها وصاحت: واویلاه، فقال لها الحسین: لیس الویل لك یا أخیّة، ولا تُشمتی القوم بنا، اسكتی رحمك الله. فقال له العباس بن علیّ: یا أخی قد أتاك القوم فانهض.

فنهض ثم قال: یا عباس اركب ـ بنفسی أنت ـ یا أخی حتی تلقاهم وتقول لهم: ما لكم وما بدا لكم؟ وما تریدون؟

فأتاهم العباس فی نحو عشرین فارساً، فقال لهم العباس: ما بدا لكم وما تریدون؟

قالوا: قد جاء أمر الأمیر أن نعرض علیكم أن تنزلوا علی حكمه أو نناجزكم.

فرجع العباس إلی الحسین وأخبره بمقال القوم، فقال الحسین: ارجع إلیهم، فإن استطعت أن تؤخّرهم إلی غد، وتدفعهم عنّا العشیّة لعلّنا نُصلّی لربّنا اللیلة، وندعوه ونستغفره، فهو یعلم أنی قد كنت أحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه.

فمضی العباس إلی القوم وسألهم ذلك، فأبوا أن یمهلوهم، فقال عمرو بن الحجاج الزبیدی: ویلكم والله لو أنهم من الترك والدیلم وسألونا مثل ذلك لأجبناهم فكیف وهم آل محمد؟!

وبات الإمام الحسین وأصحابه وأهل بیته لیلة عاشوراء، ولهم دویٌّ كدویّ النحل، ما بین قائم وقاعد وراكع وساجد.